عدنا إلى الحياة

 

 ابراهيم شيرخان
من فريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق

"في الليل، حين أضع رأسي على الوسادة لأنام.. تهاجمني صور  زينب وأحمد وفرهاد"

 

كانت تتضمن رحلاتي إلى مدينة الموصل غالبًا زيارة مدن مثل بعشيقة وسنجار. فلكل رحلة طريقها وظروفها الخاصة سواء أثناء فترة اشتداد المعارك أو بعد انتهائها. لم يكن الوصول إلى هذه المدن صعبًا، ولكن الصعب والمؤلم جدًا هي قصص وذكريات الأشخاص التي شاركوها معي عن رحلات نزوحهم ومعاناتهم خلال الحرب الطاحنة. كوني أعمل كمسؤول الإعلام الرقمي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، والتي تكفل الحماية الإنسانية وتقديم المساعدات إلى ضحايا الحرب، كنت من ضمن أول الأشخاص الذين دخلوا إلى هذه المدن للاستجابة لاحتياجات الناس هناك سواء في وقت القتال أو بعد انتهائه. في كل مرة أذهب بها تجتاحني مشاعر وأحاسيس مختلفة

حين أذهب ليلًا لأنام، تلاحقني صور زينب وأحمد وفرهاد وغيرهم من الذين ماتوا أمام عيني وهم يحاولون التشبث بالحياة بعد هروبهم من المعارك ووصولهم إلى المستشفى. مع كل رحلة أسلكها إلى الموصل أتمنى أن أنسى كل ما شاهدت وشهدت

 

%3Ffeature%3Doembed&url=https%3A%2F%2Fwww.youtube.com%2Fwatch%3Fv%3D&image=https%3A%2F%2Fi.ytimg.com%2Fvi%2F%2Fhqdefault.jpg&key=internal&type=text%2Fhtml&schema=youtube" scrolling="no" frameborder="0" allowfullscreen>

سنجار

سنجار اليوم جميلة، محبة للحياة، ولكن الحياة ما زالت صعبة، ولا يرغب أهلها بإعادة الكابوس الذي عاشوه. زرت سنجار مؤخرًا، وقابلت شريهان، امرأة من سنجار فقدت أمها وأخيها خلال القتال، قُتلت أمها أمام عينيها. تعيش اليوم شريهان مع من تبقى من أسرتها، وتشتاق لأمها وتفكر بها كل يوم. فوصفت لي شريهان صعوبة حياتها، فليس لديها عمل وكل ما تتمناه اليوم هو أن تترك وعائلتها هذا المكان حيث تحاصرها دومًا ذكرى أمها 

 

"سنجار، بمجرد ذكر اسمها أتذكر كل ما مر بهذهِ المدينة وعلى أهلها"

الموصل

عند مروري بالمدينة القديمة في الموصل، قابلتُ أم نوار، امرأة كافحت خلال فترة الحصار، لتقف وتقول "أنا أريد أن أعيش ولا أريد الموت". تحكي أم نوار بأنها عاشت لمدة شهرين مع ما يقارب 40 شخصًا في سرداب حجمه ثلاثة أمتار تحت بيتها، كان معها طفل مصاب يحتاج إلى العلاج وهي الوحيدة التي كان لديها القوة لتخرج تحت القصف والمواجهات للبحث عن مضمد له. الآن، عادت أم نوار إلى منزلها مع ابنها المتزوج. قالت لي أنها سعيدة جدًا بعودتها إلى منزلها إلا أن حياتها ما زالت صعبة، مع الاضطرار كل يوم إلى توفير اللوازم الضرورية للبقاء على قيد الحياة. كل زاوية من المنزل تذكرها بالزمن الجميل الذي عاشته مع أولادها وزوجها المحب للسينما والفن

العودة إلى بغداد

في كل مرة أعود بها إلى بغداد من الموصل، تراودني جميع المشاهد التي رأيتها في جميع أيام وجودي في الموصل، أتذكر ما حصل لأهل هذهِ المدينة وهم يروون قصصهم ومآسيهم، وخاصة حادثة الزنجيلي التي قُتل  فيها أكثر من 300 شخص وهم يحاولون الهرب. كنتُ في مستشفى الموصل حين وصول الجرحى، استطاع القليل من الناس الهرب ليصلوا الى المستشفى وهم يروون قصص هروبهم المروعة. زرتُ الزنجيلي بعد انتهاء القتال واستمعت لقصص النازحين الذين عادوا إليها وهم بأسؤ حال

صدمني ما شاهدت في الزنجيلي وما حدث بالموصل القديمة. جميع القصص التي تسمعونها عن الكارثة الإنسانية في الموصل تختزلها نظرة واحدة في وجه أي ناجٍ من المعارك. كانت الأحياء وكأنها مثل مريض خرج توًا من عملية جراحية كبرى لاستئصال ورم خبيث وما زال تحت تأثير المخدر

 لم أتضرر على المستوى الشخصي بسبب الحروب التي مرت على العراق، ولكن مشاركتي بتغطية معاناة النازحين وضحايا الحرب مع اللجنة الدولية خلال السنتين الماضيتين في محافظات الأنبار وصلاح الدين وآخرها الموصل كانت كافية لحدوث مرض صداع التوتر المزمن لي حيث رجح الأطباء أن يكون سببه تأثري بالمشاهد الصادمة المرعبة التي كنتُ أراها يوميًا

 

انتهت الحرب

وبقيت مآسيها حاضرة بشدة في نفوس الكثيرين وفي أماكن عديدة وما زالت الصور التي شهدت تداهمني ليلًا ككوابيس.. آلام وعذابات الأشخاص، دمار المدن وهلاك الأسر

 لا يوجد أفظع وأقبح من الحروب

 

ابراهيم